محاسبة النفس
--------------------------------------------------------------------------------
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا؛ ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له؛ ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله، بعث الله محمد صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق وأنزل عليه الكتاب العظيم والنور المبين لا خير ولا فضيلة إلا بينها وحث عليها ولا شر ولا رذيلة إلا بينها وحذر منها.
أيها المسلم، وقد أوجب الله عليك فرائض لزمك بامتثالها ونواه وقد نهاك الله عن نواه ألزمك البعد عنها وتركها يقول صلى الله عليه وسلم: "إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدوداً فلا تعتدوها وحرم أشياء فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء رحمة بكم من غير نسيان فلا تبحثوا عنها".
أخي المسلم، إذا علمت ما أوجب الله عليك من فرائض وما عليك من حقوق وواجبات حاسبت نفسك حسابا دقيقاً دائما فإن من راقب الله وخشيه فيما يأتي ويذر قل تقصيره في الطاعة وأدى الواجبات فصلح حاله ومآله قال تعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى).
أخي المسلم، إن الله أمرنا بمحاسبة أنفسنا ومناقشتها حتى نكون على بصيرة من أمرنا يقول ربنا جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)، يقول ابن كثير -رحمه الله-: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وانظروا ما قدمتم من عمل صالح لمعادكم فإن مردكم ومصيركم إلى الله. قال الحسن -رحمه الله-: إن المؤمن دائما يحاسب نفسه يحاسب نفسه في كل أحواله وإنما خف الحساب غدا على من حاسبوا أنفسهم في الدنيا وإنما ثقل الحساب غداً على من أخذ الأمور بدون حساب قال عمر رضي الله عنه: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوها وزنوها قبل أن توزن وتأهبوا للعرض الأكبر على الله (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ).
أخي المسلم، لمحاسبة النفس فوائد فمنها ترويض النفس وحملها على الخير وكفها عن نزواتها وشهواتها ومن فوائد ذلك معرفة عيوب النفس لتمقتها في دين الله فإن من عرف عيوب نفسه أداه إلى خشية الله ومراقبته ويتقال أعماله الصالحة وإن عظمت ولا يحتقر الذنب وإن صغر.
أيها المسلم، وفي محاسبتك لنفسك التفكر والاعتبار لتعلم عظيم نعم الله عليك وكيف قابلت ذلك بالتقصير والإساءة.
أخي المسلم، وفي محاسبة النفس أيضا تذكر الرحيل من هذه الدنيا وأن كل منتقل من هذه الدنيا ولا بد طال العمر أو قصر ولذا أمرنا نبينا بقوله صلى الله عليه وسلم: "أكثروا من ذكر هذه اللذات"، وقال: "نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة"، إن العبد إذا حاسب نفسه دعاه ذلك إلى شكر الله على ما أنعم عليه من نعم عظيمة فعرف قدر نعم الله عليه وعرف قدر المنعم وحافظ على هذه النعم من أسباب زوالها (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ).
أخي المسلم، كلنا راحل من هذه الدنيا وكلنا مفارقون لها يتبع الميت ثلاث أهله وماله وعمله فيرجع الأهل والمال ويبقى العمل هو قريبك في لحدك فإما عمل صالح تستأنس به تزداد به حزنا إلى حزنك وألماً إلى آلامك.
أخي المسلم، إذا فلنقف مع أنفسنا وقفات نحاسبها عن ماضيها ونذكرها أن كل عام ينصرم فإنما هو يقطع من مراحل حياتنا ويقربنا إلى الآخرة مرحلة ويباعدنا عن الدنيا مرحلة فلنحاسب أنفسنا في أعمالنا ما بيننا وبين ربنا وبين أنفسنا وأعمالنا وما وكل إلينا من مسؤولية لنكون على بصيرة من أمرنا.
أخي المسلم، إن محاسبتنا لأنفسنا أمر مطلوب لننظر ما موقفنا من فرائض الله وما موقفنا من نواه الله وما موقفنا من ما اؤتمنا عليه وما موقفنا من سائر أقوالنا وأعمالنا.
أخي المسلم، الصلوات الخمس التي افترضها الله علينا كل يوم خمس مرات في اليوم والليلة خمس مرات هذه الفريضة العظيمة التي منزلتها من الدين منزلة عظيمة فهي الركن الثاني من أركان الإسلام وهي عمود الدين ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة نحاسب أنفسنا هل أدينا هذه الفرائض في اليوم والليلة خمس مرات هل أديناها باستكمال أركانها وواجباتها وأحسنا طهارتها وأديناها خالصة لله بجد ونشاط نحاسب أنفسنا عن الأموال التي بأيدينا نحاسب أنفسنا عليها ونقف مع أنفسنا من أين لنا هذا المال ما مصدر مجيء هذا المال إلينا أمن مصدر حلال شرعي أم من مصدر حرام محرمات وأمور تخالف الشرع من مخدرات ومسكرات وأمور تخالف شرع الله ربا ورشوة وميسر واستغلال الأموال العامة نحاسب أنفسنا فإن هذا المال الذي بأيدينا سنحاسب يوم القيامة عنه أين مصدر هذا المال كما في الحديث: "لا تزال قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه وعن شباب فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه"، سنسأل عن هذا المال ومصدر وصول المال إلينا أمن حل أم حرام سنسأل عن طرق الإنفاق هل أنفقناه فيما يقربنا إلى الله أم أنفقناه في الباطل هل أدينا الزكاة المفروضة والنفقات الواجبة علينا هل كان في أموالنا حق للسائل والمحروم سنحاسب يوم القيامة عن هذا كل هل الزكاة المفروضة أديت كاملة من غير نقص أم لا هل النفقات الواجبة أديت كاملة أم لا سنحاسب عن أقوالنا التي قلناها ما هي هذه الأقوال أكلام طيباً أم سيئا (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)، (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ* كِرَاماً كَاتِبِينَ* يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ)، هل كنا في ألسنتنا نغتاب ونسعى بالنميمة والبهتان والكلام السيئ من سخرية بالناس وتضليل وتبديع وتفسيق بلا برهان أطلقنا للسان العنان ليقول ما يشاء أم أخذنا على أنفسنا وحاسبنا أنفسنا عن أقوالنا حتى تكون الأقوال موافقة للحق بعيدة عن مخالفة الشرع.
أيها المسلم، ستسأل عن ما اؤتمنت عليه من أموال وودائع سواء كانت خاصة أو أموال عامة فقف مع نفسك عند كل عام ما موقفك مما اؤتمنت عليه من تلك الأمانات والودائع هل حافظت عليها هل أوصلت الأمانات إلى أهلها امتثال لقوله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)، أم ضيعت وخنت أمانتك والله يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)، مظالم العباد التي ظلمت بها عباد الله في أموالهم وأعراضهم ودمائهم أنت مسؤول عن ذلك يوم القيامة فهل حاسبت نفسك وأرجعت المظالم إلى أهلها وتخلصت من كل التبعات قبل أن يقتص ذلك من حسناتك "أتدرون من المفلس فيكم؟" قالوا يا رسول الله المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع قال: "ولكن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بأعمال أمثال الجبال يأتي وقد ضرب هذا وشتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا فيأخذ هذا من حسناته ويأخذ هذا من حسناته فإن قضت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار"، فقف مع نفسك هل أنت متخلص من مظالم العباد أم لا تزال مصر على ذلك فخلص نفسك قبل معادك.
أخي المسلم، أيها التاجر المسلم، إنك مسؤول عن تجارتك هل هذه التجارة طيبة أم لا هل فيها غش وخداع هل فيها احتكار وظلم للعباد أم تجارة نزيهة طيبة بعيدة عن الغش والتدليس سيسألك الله عن ذلك يوم القيامة فحاسب نفسك
أيها الآباء والأمهات، أنتم مسؤولون عن أبنائكم وبناتكم عن التربية والتوجيه السليم والأخذ على أيديهم بخير هل كنتم قدوة لهم في الخير هل أمرتموهم بالمعروف ونهيتهم عن المنكر هل كنتم مراقبين لسلوكهم من دعاة الضلال والانحراف الأخلاقي والعقدي أم تركتموهم في المواقع المشبوهة والتيارات الضالة أو المحطات الفضائية المنحرفة التي تتخطفهم فتغير الأفكار وتملؤها شراً وفسادا.
أيها الابن الكريم، أيتها الفتاة السعيدة، ما موقف الأبناء والبنات من الوالدين هل كان الموقف براً بالآباء والأمهات وإحسان إليهم جميع وقيام بالبر والإحسان والنفقة والرفق والرحمة والشفقة أم كان هناك جفاء من الابن أو البنت فليتق كل منا ربه في هذه الدنيا وليحاسبها قبل أن يحاسب يوم القيامة وليحاسبها قبل أن يحاسب يوم القيامة عن تقصيره في حق الأبوين عن تقصيره في حق الأم والأب.
أيها القاضي، أيها المحقق، رجال القضاء والتحقيق المسؤولية عظيمة هل أوصدتم المتهم والخصم هل سعيتم في إقامة الحق هل أخذتم على أيدي المبطل والمماطل وألزمتموه بالحق والواجب عليه أم خادعتم ذلك اغتراراً وانخداعا إما بقرابة أو صداقة أو بحث عن جاه أو والعياذ بالله ما قد يغر الإنسان أن يقول بغير الحق فكل مسؤول عن مهمته وكل مسؤول عن واجبه.
أيها الموظف الكريم، إن الوظائف أمانة في أعناق الموظف من حيث العمل ومن حيث الأداء ومن حيث الوقت، فهل كان هذا الموظف مؤد لوظيفته صادقاً في أمانته وقتاً وأداء أم كان مفرطاً ومتهاونا مقدم محسوبيته على الآخرين فلا يقدمه لمصلحة ولا يؤخره لعدم مصلحة إنها أمانة ومسؤولية فلو وقفنا مع أنفسنا دائما لنحاسب أنفسنا ونقيم أوضاعنا ونعلم ونطلع على الثغرات التي نؤتى من أجلها لأجل أن نتخلص ولأجل أن نبرئ ذممنا ولأجل أن نتخلص من أي مال مشبوه ومن أي خلق سيء ونقيم عجاج أخلاقنا ونسأل الله التوفيق والسداد إن المال بلاء لا يحمل أمانته إلا ذو التقى والأمانة الذين يراقبون الله ويخافونه ويحذرون من لقائه ويعلمون أن هذا المال وإن خدعتهم حلاوته لكن أمامه الحساب العظيم أمامه الحساب العظيم يوم القيامة أمامه أن ينظر عند الاحتضار تلك الأموال جمعها وكدسها سينظر إليها عند موته وقد كسبها من مكاسب غير شرعية فيتمنى أن يرد إلى الدنيا ليصحح أوضاعه فلنتق الله في أنفسنا فلا بد من
من وقفة منا مع أنفسنا وتعقل وتفكر في الأمور مما يدعوا إلى الإخلاص لله مما يدعوا إلى الاعتبار والعظة والقيام بما أوجب الله أسأل الله أن يوفقني وإياكم لصالح القول والعمل وأن يعيذنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يوفقنا لما يحبه الله ويرضاه