هنا ساحات الحرية

هُنا تُرفع راية الحرية و الكرامة، هنا صخرة تتكسر عليها قيود الذّل والمهانة، هنا تُبنى يمن الإيمان والحكمة، يمن المستقبل المشرق، هنا بركان الغضب ينفجر ليكتسح الطغاة والظالمين، هنا الثبات هنا الرجولة هنا صناعة التاريخ، هنا سوق تُباع فيه المهج رخيصة في سبيل حرية وكرامة الوطن والمواطن.. هنا ساحات التغيير.
ولعلي أصف هذه الساحات بأبيات شعرية استعرتها من أبي الأحرار محمد محمود الزبيري تعبر عن هذا الموقف؛ لأنها قيلت في موقف شبيه في ثورة شبيهة بثورتنا الآن، حين قال:
سجّلْ مكانَك في التاريخِ يا قلمُ فهاهنا تبعثُ الأجيالُ و الأممُ
هنا العروبةُ في أبطالها وثبت هنا الإباءُ هنا العليا هنا الشَّممُ
هنا البراكينُ هبّت من مضاجِعها تطغى و تكتسحُ الطاغي وتلتهمُ
لسْنا الأولى أيقظوها من مراقدها اللهُ أيقظها و السّخطُ و الألمُ
شعبٌ تفلّت من أغلالِ قاهرِهِ حُرًّا فأجفل منه الظّلمُ و الظُّلمُ
إنّ الأنينَ الذي كنّا نردّده سرًّا غدا صيحةً تصغي لها الأممُ
و الحقُّ يبدأ في آهاتِ مكتئبٍ و ينتهي بزئيرٍ ملؤُهُ نقمُ
إنّ اللصوصَ و إنْ كانوا جبابرةً لهم قلوبٌ من الأطفال تنهزمُ
فلله درك أيها الزبيري؛ لقد نطقت وكتبت دُررًا ستضيء الطريق للأجيال، جيلاً بعد جيل على مرّ التاريخ، وهذا هو الخلود.
ساحات التغيير غربلت الصفوف، وميّزت النفوس، وعلمتنا أبلغ الدروس، في الثبات والإباء في الصمود والتحدي في الصبر والشجاعة، فما أروعها من دروس!!
في ساحات التغيير برهنتم يا شباب التغيير للعالم أجمع أننا وإن كنا نملك السلاح، إلاّ أننا شعب مسالم متحضر؛ لأننا أحفاد بناة الحضارات والدول كابرًا عن كابر، وليس كما شوّه صورتكم هذا النظام البائد. وفي ساحاتكم ساحات التغيير أظهرتم للعالم اليمن الحقيقية بعظمتها وقدرتها على صهر كلّ الحضارات والثقافات في مكان واحد.
ولا شك أنكم استوحيتم ثورتكم مما حدث في مصر وتونس، لكنكم أضفتم شيئًا آخر وتجربة جديدة بثباتكم، على الرغم من حجم الدماء التي سالت وتسيل يوميًا، وبمحاولة جرّكم إلى مربع العنف واستخدام السلاح وأنتم تملكونه، لكنكم قرّرتم من البداية أن تكون سلمية، وسلكتم دربها بثبات وصبر منقطعي النظير. فلله درّكم يا شباب التغيير!!
إن الثبات والصمود لهو شيء عظيم وعسير، ولكنه في ساحات التغيير يسير، وما ذلك إلاّ بالإيمان وحب المبادئ؛ لأنه أقوى من كل سلاح، فحينما يثور المرء لكي يغنم و يغتصب وينهب، قد يفتر ويتوقف إذا امتلأت جعبته، أو أُنهكت قواه، ولكنه حين يثور من أجل وطنه وحريته وكرامته يمضي في طريقه إلى النهاية إلى أن يصل مبتغاه.
فبئست حياة يعيش فيها الإنسان بدون كرامة وبدون حقوق. قد يكون الثبات والصمود صعبًا مليئًا بالأشواك، لكن القبول بالمذلة والهوان أسوأ منه.
انضباط وتنظيم ووعي منقطع النظير.. إنها الوطنية الحقة والشعور بالمسؤولية، فلله درّكم يا شباب التغيير؛ فبكم سوف يُنسج لليمن تاريخ آخر وعقول مختلفة وشباب طامحون!!
ساحات التغيير ليست ساحات عادية عامة للتجمع وحسب، بل إن شباب اليمن المخلص أضاف بانتفاضته التي تطالب بالتغيير بعدًا جديدًا لها، حينما حوّلوها بصمودهم ووعيهم ومظاهرتهم السلمية إلى رمز للحرية، ورمز للتغيير، ورمز لقدرة الشباب .
لقد جعلتم ساحات التغيير مأوى أفئدة كل غيور وكل حر وشريف في هذا الوطن، من نواب ووزراء وقادة عسكريين وشيوخ علم وقبائل، ليتباروا ويتباهوا بأنهم تشرفوا بزيارة ساحات التغيير، ونطقوا من منبرها الحرّ ليتحقق قوله تعالى: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ).
في ساحات التغيير الآن وعبر تلك الحركة الشبابية الشريفة تتكون بداية مرحلة جديدة في اليمن -إن شاء الله- ، مرحلة ستشهد تغيّرات سياسية وفكرية واجتماعية واقتصادية يصنعها هؤلاء الذين خرجوا في 3 فبراير يطالبون بحقهم الشرعي في التغيير والإصلاح ومحاسبة المفسدين، وكل من قسا على أحلامهم وقتلها ووضعهم على الطرقات وفي المقاهي يصارعون البطالة وكوابيس الفقر.
أنتم يا من خرجتم فى 3 فبراير، ورفعتم منذ أول يوم شعار "الشعب يريد تغيير النظام"، وهو شعار معبّر عن كل مطالب الشعب اليمني، و المقصود بالنظام الرئيس وحكومته وإعلامه الكاذب ورجال أعماله الفاسدين. كل اليمن فخورة بكم أيها الشباب؛ لأنكم بثورتكم أيقظتم الإنسان اليمني من سباته الطويل ليبحث عن نيل كرامته المهدورة، ويصرخ في وجه جلاديه ويقول: لا للذل والمهانة، لا للجبن والخنوع، لا للدكتاتورية وتوريث الحكم، لا للفقر والجوع، نعم للعزة والكرامة، نعم للحق والعدالة، نعم للحرية والديموقراطية .
شباب ساحات التغيير هم يمثلون بعث الضمير الحي بعد رقاد طال دهرًا، هم أمل اليمن في استعادة كرامتها بعد عهود من الذل والمهانة، لذا فهم يستحقون الدعم والمساندة، هم يستحقون التحايا ومد يد العون منا جميعًا، هم جديرون باحترام العالم الحرّ لهم، هم يستأهلون أن يكونوا قدوة لكل الشعوب المقهورة على سطح هذه المعمورة. إن نجاحكم أيها الأحرار في تحقيق مطالبكم يعني بالتأكيد عودة كرامة الإنسان اليمني المسلوبة.
إن انتفاضتكم أيها الشباب قد تتعرض الآن لمحاولات تشويه وسرقة على أيدي أصحاب مصالح خاصة، أو على أيدي بعض المغرضين الذين لا يريدون لليمن خيرًا ولا استقرارًا؛ فخيّبوا آمالهم، لكن أنّى لهم ذلك، وقد عمّدتموها بدماء شهدائكم الأوفياء!!
أذناب النظام البائد يكيلون الاتهامات بالتخوين والعمالة لكم، لكن العالم أجمع يشهد على كذبهم وزيفهم وافترائهم، ويشهد على صدقكم .
وأخيرًا نقول: اثبتوا أيها الأبطال في ساحات التغيير حتى التحرير؛ لتنعم اليمن بحريتها وعروبتها وإسلامها، ولتعيد لنا صفحات ناصعة من ماضيها المشرق والحضاري.